الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 
من أسماء الله الحسنى الطيّب:
أيها الإخوة الأكارم؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم الطيب.
هذا الاسم لم يرد في القرآن الكريم، ولكنه ورد في السنة المطهرة، في الحديث الصحيح 
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إلَّا طَيِّبًا،  وإنَّ اللهَ أمَرَ المُؤمِنينَ بما أمَرَ به المُرسَلينَ؛ فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {المؤمنون: 51}، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ {البقرة: 172}، ثمَّ ذكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشعَثَ أغبَرَ  ، يَمُدُّ يَدَيه إلى السَّماءِ: يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطعَمُه حَرامٌ، ومَشرَبُه حَرامٌ، ومَلبَسُه حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ؛ فأنَّى يُستَجابُ لذلك؟! )) 
ورد أيضاً: إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ . 
لابد للمؤمن أن يكون طيِّباً:
النقطة الدقيقة أن الله سبحانه وتعالى لأنه ذاتٌ كاملة لا يتجلى على مخلوق أو على إنسان إلا إذا كان طيباً، لذلك بإمكانك أن تقف في الصلاة، وأن تركع، وأن تسجد، إن لم تكن طيباً فلن يتجلّى الله عليك، ولا يلقي في قلبك النور، ولا يمنحك القُرب، بينما الأقوياء ببساطة بالغة يمكن أن تتقرب إليهم برفع صورة لهم فرضاً، أو بكتاب، أو بثناء، أو بكلمة تلقيها في حضرتهم، تتقرب إليهم بهذه الطريقة، ولا يُشترط بعدها أن تكون كاملاً، لكن الإله العظيم لا يقبلك إلا إذا كنت طيباً، لا يقبلك إلا إذا كنت ورعاً، لا يقبلك إلا إذا كنت طاهر السريرة، لا يقبلك إلا إذا كنت مستقيماً.
لك أن تفعل كل شيء في الحقل الديني، أما أن تشعر بالقرب من الله عز وجل، وأنت لست طيباً، هناك خبث، هناك احتيال، هناك كذب، هناك دجل، هناك نفاق، لن تستطيع أن تصل إليه إلا إذا كنت طيباً ورعاً مستقيماً طاهراً ملتزماً، لذلك الفرق صارخ بين أتباع الأنبياء وأتباع الأقوياء، أتباع الأنبياء كُمَّلٌ، لأن الله لا يقبلهم إلا إذا كانوا كذلك، لا يتجلى عليهم، لا يمنحهم توفيقه، لا يمنحهم تأييده، لا يمنحهم قُربه، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، ماذا يفعل أعدائي بي؟-قال بعض العلماء-بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟ 
 
النقطة الدقيقة للمرة الثانية أن أتباع الأنبياء كُمّل، أتباع الأقوياء يرفعون شعارات، يرفعون صوراً، يتكلمون بالمديح، لكنهم في علاقاتهم ليسوا كُمّلاً، لذلك الفرق صارخ بين مؤمن وبين تابع لقوي، المؤمن يتبع الأنبياء.
مرة ثانية، كالأب تماماً يُطعِم كل أولاده، أما له ابن صالح مستقيم طاهر بار، وُدّ الأب المودة لهذا الابن، أما الكلَّ يطعمهم ويسقيهم، الإنسان يأكل ويشرب، لكن أن تتصل بالله، أن تذوق طعم القرب منه، أن يلقي في قلبك نوراً، أن تكون مُسدداً مُوفقاً مُرَشّداً، هذا يحتاج إلى طهر: 
((إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا))  النبي عليه الصلاة والسلام رأى تمرة على السرير، 
(( عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَحْتَ جَنْبِهِ تَمْرَةً مِنْ اللَّيْلِ فَأَكَلَهَا فَلَمْ يَنَمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ بَعْضُ نِسَائِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرِقْتَ الْبَارِحَةَ، قَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ تَحْتَ جَنْبِي تَمْرَةً فَأَكَلْتُهَا، وَكَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ.  )) 
ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط، أنت لا تعلم حينما تكون طيباً ماذا ينتظرك من الله عز وجل، التوفيق، النصر، التأييد، السكينة، السعادة، الرضا، أنت لا تعلم ماذا ينتظرك فيما لو كنت طيباً: ((إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ))  أنت لست نبياً ولا رسولاً، ولكنك مأمور أن تتبع النبي في أخلاقه، أي ممرض وجرّاح قلب المسافة بينهما كبيرة جداً، لكن هذا الممرّض لو أراد أن يعطي حقنة لابدّ من تعقيمها، هناك إجراءات لابد منها، لا فرق بين ممرض وطبيب جرّاح: ((وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ))  إن كانت هناك شهوة أغلى عليك من الله، الطريق إلى الله غير سالك، قال تعالى: 
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا  حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾ 
لأن ((اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا)) .
 
لن تقطف ثمار العبادات إلا إذا كنتَ طيِّبَ النفس:
النقطة الدقيقة للمرة الثالثة: بإمكانك أن تفعل كل شيء مادي، بإمكانك أن تذهب إلى الحج، وأن تصوم رمضان، وأن تصلي، إن لم تكن مستقيماً لن تقطف ثمار هذه العبادات، لأن ((اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا))  فهذا الذي يأكل أموال الناس بالباطل، هذا الذي يعتدي على أعراض الناس، هذا الذي يقول كلاماً لا يُرضي الله عز وجل ليس طيباً، لذلك لن يستطيع أن يقطف من ثمار العبادات شيئاً.
فكرة دقيقة جداً، تريد القرب من الله؟ تريد أن تكون في عين الله؟ أن تكون في توفيق الله؟ أن تكون في تأييد الله؟ أن ينصرك الله؟ أن تحيا حياة طيبة؟ تريد أن تكون متفوقاً عند الله؟ كن طيباً، لأن ((اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا))  أتباع الأنبياء شيء، وأتباع الأقوياء شيء آخر، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأنبياء ملكوا القلوب، الأنبياء عاشوا للناس، أما الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأقوياء ملكوا الرقاب، الأقوياء عاش الناس لهم، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي، فإن ((اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا))  تريد أن تخطب وده؟ كن طيباً، تريد أن تنال رضوانه؟ كن طيباً، تريد أن يتجلى على قلبك؟ كن طيباً، تريد أن تخشع في الصلاة؟ كن طيباً، تريد أن يُقبل صيامك؟ كن طيباً، تريد أن يُقبل حجك؟ كن طيباً، هذه العبادات لا يمكن أن تقطف ثمارها إلا إذا كنت طيباً، لأن ((اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ))  الطريق إلى الله عز وجل واضح، والطريق له متاح لكل مؤمن، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا  وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾ 
مُتاحٌ، بإمكانك أن تكون أسعد الناس، صدقوا أيها الإخوة؛ ولا أبالغ لا يجتمع حزن مع إيمان بالله، أبداً، معك سلاح الدعاء، أنت بالدعاء أقوى الأقوياء، معك جنة القرب، كنت أقول دائماً عبر سؤال في الهاتف أقول للسائل: إذا عرفت الله كنت أكبر من أكبر مشكلة، فإن لم تعرفه أنت أصغر من أصغر مشكلة، فلذلك: ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، يا رب ماذا فَقَد من وجدك؟ وماذا وجد من فَقَدك؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ((اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا))  يمكن أن يكون هذا الحديث الصحيح شعاراً لك في حياتك، في تجارتك، في سفرك، في بيعك، لذلك أَطِبْ مطعمك تكن مستجاب الدعوة. 
 
المؤمن الطيِّب ليس عنده ازدواجية الشخصية:
والله التقيت مع والد صديقي قال لي أنا عمري ست وتسعون سنة، قال لي: أجرينا البارحة تحليلاً كاملاً وشاملاً، قال لي: كان كله طبيعياً، قال لي: والله ما أكلت قرشاً حراماً بحياتي، الحرام المادي، ولا أعرف الحرام، النساء، قال لي: ما أكلت قرشاً حراماً ولا أعرف الحرام، لذلك ((اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا))  ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون طيباً وتخسر، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن يكون الإنسان خبيثاً ويربح، كن طيباً لأن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً.
أعظمُ ما في المؤمن أن سريرته كعلانيته، وأن خلوته كجلوته، وأن باطنه كظاهره، لا يوجد عنده ازدواجية أبداً، لأنه طيب، لا يوجد عنده أسرار أبداً، أي ما يفعله في البيت يفعله أمام الناس، ما يفعله أمام الناس يفعله في البيت، لا يوجد عنده شيء للاستهلاك الخارجي، وممارسة خاصة، لا يوجد عنده ازدواجية.
وصدقوا أيها الإخوة؛ أن مرض انفصام الشخصية أحياناً يصيب معظم الناس بشكل مخفف، لا يسمى مريضاً، لكن له موقفان، في بيته موقف، مع الناس موقف، مع الذين آمنوا له كلام، ما شاء الله، ما هذا الدرس؟ مع الطرف الآخر يقول لك: كله دجل، له موقفان، موقف مع هؤلاء، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)﴾ 
المؤمن ليس عنده ازدواجية في الشخصية، سريرته كعلانيته، باطنه كظاهره، خلوته كجلوته، لأنه طيب، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. 
 
طاب يطيب طيباً، تقول: ما أطيبه! أي ما أجمله! أي ما أزكاه! ما أنفسه! ما أحلاه! ما أجوده! شيء طيب، يوجد طعام طيب:
﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ  وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)﴾ 
أي كم شراباً مسموحاً به؟ يمكن هناك مئة شراب الآن، في محلات العصير مئة،  حرّم عليك الخمر فقط، كم نوعًا من اللحم مسموح به؟ مئات الأنواع، حرّم عليك لحم الخنزير، المحرمات بالنسبة إلى المحللات لا شيء: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ وكأن الطيب تطيب النفس به، إنسان اشتهى المرأة فتزوج، ببيته محترم، هذه الشهوة يمكن أن يصل إليها من طريق مشروع، لأنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، يُقارب زوجته، ويصلي قيام الليل، ويبكي بالصلاة، لأنه وفق المنهج: 
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ  إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾ 
المعنى المخالف: لو أنك اتّبعت هواك وفق هدى الله لا شيء عليك، أحببت المال اكسبه من طريق مشروع، تتزوج، تشتري بيتًا، تنجب أولاداً تسعد بهم، تأكل طعامًا طيبًا من دخلٍ مشروع.
مرة ثانية: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، لأن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً.
 
الكثرة لا تُحيل الخبيث طيّباً ولا تجعل المُحَرم حلالاً:
لكن أيها الإخوة؛ بالمناسبة تصور إنساناً جائعاً جداً، وأمامه يوجد طعام من لحم مشويّ مع مقبّلات، طعام نفيس جداً، وطيب جداً، اللحم نفسه لو تركته في الهواء أياماً طويلة والجو حار يتفسخ، له رائحة لا تحتمل، قد تخرج من جلدك منها، أحياناً تكون دابة ميتة في الطريق، من كيلومترين اثنين تشمّ رائحة لا تحتمل، تذكر هذا المثل: قطعة لحم إن كانت طازجة ومشوية وأنت جائع أنفس طعام، وإن تفسخت لا تحتمل، لذلك قال تعالى: 
﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ  فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)﴾ 
الكثرة لا تُحيل الخبيث طيّباً، والكثرة لا تجعل المُحَرم حلالاً، وكثرة الباطل لا تجعله حقاً، لا تَقُل: أنا مع مجموع الناس: 
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ  إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)﴾ 
كن مع الأقلية المؤمنة، كن مع الأقلية الملتزمة، كن مع الأقلية الوقافة عند كتاب الله.
 
لذلك: ﴿لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾  هناك إنسان طيب، طاهر، صادق، متواضع، أمين، إن حدثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، الله عز وجل قال: 
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ  وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)﴾ 
الله عنده امتحانات، تكلم ما شئت، ادَّعِ ما شئت، لكن الله متكفل أن يجعلك في ظرف يكشف حقيقتك، هذا الابتلاء:
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ  (30)﴾ 
الإنسان يفتن: 
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾ 
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾  يقول لأمه: بعد أن أتزوج ستكون هذه الزوجة خادمة لك، خير إن شاء الله، بعد الزواج لا يتحمل أمه، متى يريحنا الله منك؟ عندما تزوج كان كلامه السابق باطلاً، فالله عز وجل متكفل أن يحجمك، تكلم ما شئت، أعط نفسك أيّ مقام يضعك الله في ظرف يكشف حقيقتك، الآن يوجد ذهب أربعة وعشرين، يوجد واحداً وعشرين، يوجد ثمانية عشر، يوجد ستة عشر، يوجد نحاس مطلي بالذهب، يوجد نحاس، يوجد معدن خسيس، والناس معادن. 
 
أيها الإخوة؛ هناك أماكن طيبة:
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ  (15)﴾ 
 ما صفات البلدة الطيبة؟ 
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا.  )) 
البلدة الطيبة التي يكون فيها أمراء طيبون، أغنياء، سُمحاء، الأمر شورى بينهم.
﴿ الأعمال والأقوال الطيبة: ﴾ 
 الأعمال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ  وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)﴾ 
هناك كسب طيب، تجارة مشروعة، وهناك نادٍ ليلي دخلُ صاحبِه كبيرٌ، وهناك ملهى، وهناك تجارة مخدرات، وهناك رشوة، هناك مكاسب كثيرة جداً لا تُرضي الله عز وجل، الله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾  وهناك كلام طيب وكلام خبيث: 
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ  بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)﴾ 
كلمة طيبة، أحيانا الكلمة تنتهي بالإنسان إلى طاعة الله، إلى التوبة، إلى الصلح مع الله، أي ما من شيء أعظم عند الله من كلمة الحق، قل الحق ولا تخشَ في الحق لومة لائم، وكلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تُقرّب أجلاً، هذه الكلمة الطيبة تطير في الآفاق، والكلمة الخبيثة تطير في الآفاق بالضبط، لذلك: 
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ.  )) 
مثلاً يقول لك كاتب أنك أنت أخلاقي لأنك ضعيف، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي، هذه كلمة خبيثة تُزَهّد الناس بمكارم الأخلاق، لكن أنت قوي لأنك أخلاقي، وأخلاقي لأنك قوي، ليس هناك خُلق أساسه الضعف، تعفو عن مقدرة، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ورد: أحِبّ الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد، شاب في مقتبل العمر، وهو مستقيم وعفيف، أحبّ الكرماء، وحبي للفقير الكريم أشدّ، أحبّ المتواضعين، وحبي للغني المتواضع أشدّ، أبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشدّ، أبغض المتكبرين، وبغضي للفقير المتكبر أشدّ، أبغض البخلاء، وبغضي للغني البخيل أشدّ. 
الأشياء الطيبة يوم القيامة:
الأشياء الطيبة في الآخرة:
﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ  ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)﴾ 
والطيبات الأعمال الصالحة، الله عز وجل قال: 
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ  خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)﴾ 
الأعمال الصالحة، أو: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هذه من الطيبات. 
 
الله طيب في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعالِه وخَلقِه:
أيها الإخوة؛ الله جلّ جلاله  طيب في ذاته، طيب في أسمائه وصفاته:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)﴾ 
أسماؤه كلها حسنى: 
﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ  وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)﴾ 
في كماله، ذات كاملة، والله طيب في خَلقه: 
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ  إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾ 
البعوضة في رأسها مئة عين، في فمها ثمانية وأربعون سناً، في صدرها ثلاثة قلوب، قلب مركزي، وقلب لكل جناح، تملك جهاز استقبال حراري، رادار، ترى الأشياء بحرارتها، حساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية، معها جهاز تحليل دم، قبل أن تمتص الدم تُحلله، ما كل دم يناسبها، معها جهاز تمييع للدم، حتى يسري في خرطومها، معها جهاز تخدير، يوجد بأرجلها مخالب إن وقفت على سطح خشن، يوجد محاجم إن وقفت على سطح أملس، بخرطومها يوجد ست سكاكين، أربع سكاكين لإحداث جرح مربع، وسكينان تلتئمان على شكل أنبوب:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا  فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)﴾ 
إذاً طيب في خلقه، ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ .
في شبكية العين بالميليمتر المربع مئة مليون مستقبل ضوئي، وهذه آلة التصوير الاحترافية الرقمية أحدث آلة يوجد بالميليمتر المربع عشرة آلاف مستقبل، أما شبكية العين بالميليمتر يوجد مئة مليون مستقبل: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ طيب في خلقه، طيب في أسمائه، وفي صفاته، وفي ذاته، و طيب في خلقه، وطيب في أفعاله، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق أبداً.
لكل واقع حكمة ولو كان المُوقِع مجرماً، قد يكون الموقع مجرماً، لكن لكل واقع حكمة، لمجرد أن الله سمح لهذا الذي وقع أن يقع إذًا هناك حكمة بالغة، إذاً هو طيب في أفعاله، وفي خلقه، وفي صفاته، وأسمائه، وذاته. 
 
معنى آخر من معاني الطيّب:
المعنى الأخير: الله طيّب بمعنى أنه قدوس، مُنزّه عن النقائص والعيوب، وقد طيّب الدنيا للموحدين:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً  وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾ 
وطَيَّب الآخرة فجعلها خالدة لروادها، الدنيا طيبها للموحدين فألهمهم رشدهم، وأحياهم حياة طيبة، والآخرة طَيّبها فجعلها إلى أبد الآبدين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، صلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق